بنات الرياض "الصورة الناقصة"

أثارت قضية الصورة أو صورة المرأة تحديدا في رواية "بنات الرياض" للروائية السعودية "رجاء الصانع"، سجالا حامي الوطيس في الأوساط الثقافية السعودية، وذلك منذ ظهورها في سنة 2006 إلى حدّ الآن. كما يشهد على ذلك الموقع الإلكتروني للكاتبة([1]).ولم يتحرج الرافضون لهذا العمل من التشكيك في أهلية الكاتبة لإنتاج صورة المرأة العربية في السعودية أو تحديدا في مدينة "الرياض". فهنالك من يرى أن رجاء الصانع وضعت صورة "بحسب رؤيتها الشخصية ومن خلال تجاربها وتجارب من حولها، ولكنها لم تشاهد الصور الأخرى المشرفة لبنات السعودية، لأنها لم ترتق لتصورها، فهي أبعد ما تكون عن الرقي الأخلاقي والروائي والديني".

أما الشاعر السعودي عبد الرحمان العشماوي فقد اعتبر هذه الرواية "خطيئة أدبية" وطالب الكاتبة بأن تعلن براءتها من هذا العمل". ومن الطعون الموجهة للكاتبة، ما يتدنى للإساءة لشخصها وانتمائها لوطنها، كوصفها "بالطبيبة المريضة" (إشارة إلى مهنتها وهي طبّ الأسنان) أو لانتمائها لعائلة "الصانع"، باعتبارها سعودية بالتجنس، فهي حسب صاحب هذا الموقف المندد من أصول فلسطينية، وهو ما جعلها تنتج "صورة ناقصة للمرأة السعودية".

وفي هذا السياق يتنزل موقف آخر يتحسّر فيه صاحبه على ما نال بنات "الرياض" من تجن وظلم، إذ يقول:" أين المصليات الصائمات، التائبات إلى ربهنّ إذا ما أخطأن؟... لا وجود لهنّ في رواية "بنات الرياض".

في واقع الأمر، هذا غيض من فيض"التجاوزات التي ارتكبتها" صاحبة الرواية، لذلك فالأمر يستوجب التصدي لها بحزم، قصد إصلاح ما "أفسدته". ولهذا تجنّد الروائي السعودي إبراهيم الصقر للدفاع عن صورة المرأة السعودية وألّف، حسب قوله، رواية، بعد أن نشرت رجاء الصانع روايتها السالفة الذكر، بطلب من عديد الفتيات في المجتمع السعودي لتقديم صورة أكثر أنصافا ووضوحا عن بنات الرياض، وذلك كردّ فعل عن ذلك المحتوى غير اللائق الذي "سبب الاستياء لبنات بلدنا (كذا)"، وعنوان هذه الرواية هو :"بنات الرياض الصورة الكاملة".وقد نشر الكاتب روايته المذكورة على موقعه الإلكتروني([2])، وذلك حسب قوله"ليستفيد منها الجميع وتكسب أجر كل من يقرأها والدال على الخير كفاعله". على هذا النحو يتأكد قصور المرأة الكاتبة في السعودية على إنتاج صورتها. فهي في حاجة إلى وصيّ يقدّم صورتها بالوكالة، وهو ما استوجب تدخّل الرجل الكاتب لتحيح الموقف وإنتاج "الصورة الكاملة"، مقابل "الصورة الناقصة". وعلى هذا النحو، نالت رواية هذا "المصلح الروائي"، استحسان المجتمع وحازت على قبوله، حسب التعليقات الواردة بموقعه الإلكتروني. ومن الواضح أنها تعليقات غنية عن التعليق.

لقد طالت موجة السخط والتنديد واللوم أولئك الذين احتفوا بهذه الرواية واعتبروا المرأة الكاتبة أقدر من غيرها على صناعة صورتها. فهؤلاء في نظر الرافضين، مجرد متعاطفين مع الكاتبة لأنها امرأة، بما فيهم غازي القصيبي الذي قدّم رواية "بنات الرياض" وتنبأ بمستقبل واعد لصاحبتها.

إذا نحن أمام مواجهة أو نزاع حاد بين "الصورة الناقصة" و"الصورة الكاملة"للمرأة السعودية كما يمكن تبينها من الإبداع الأدبي. ومن الواضح أ، هذه الحملة زادت الرواية شهرة وانتشارا، فتعددت طبعاتها وترجمت إلى عدة لغات أجنبية ولقيت الترحيب في المنتديات الثقافية الأجنبية، ممّا زاد في إثارة حفيظة الساخطين على المراهقة رجاء الصنع التي"لم تتورع عن نشر غسيلها القذر خارج الوطن"، حسب تعبيرهم.

· إشكالية الصورة بين الواقع والمتخيّل

تكمن خلف معركة الصورة هذه، أسباب عديدة لعلّ أبرزها مسألة التشابك بين "الواقع" و"المتخيل". ولعل تعريف الصورة في حدّ ذاته، يجرّ إلى قضية الالتباس. من ذلك، هذا التعريف للناقد "كابيدي فارغا"(Kebidi vargua)، حيث يقول:" المقصود بالصورة وبصفة مطلقة، عملية خلق اصطناعية مقتطعة من الواقع السائد ومحددة بالصلة التي تربطها به". فلئن كانت صلة الصورة بالمرجع، واردة بلا شك، فهذا لا يعني أنها مجرد استنساخ له، بما يبرّر للرافضين، معاملة الرواية كما لو كانت مجرد تحقيق اجتماعي.

غير خاف أن صاحبة الرواية قد راهنت على تلك الخيوط التي تربط الواقع بالأدب أو تحوّل الواقع إلى أدب. ورغم أنها إزاء رواية "دربة على الكتابة"، فقد طوعت عالم المتخيل وفق مقصد محدّد: أن نتخذ من فضاء الرواية حقلا للدربة على إنتاج صورة لبنات جيلها، فقد بدا لها أن عالم المتخيل الروائي قد يتيح لها أن تعبر عمّا يسمح لها به في الواقع وإن لم يكن، فستتخذ أهبتها مسبقا للمواجهة.فالكاتبة قد تعمدت منذ صفحة التقديم أو ما قبل نصّ الرواية إلى تمرير هذا الخطاب الاستفزازي:"أي تشابه بين أبطال الرواية وأحداثها والواقع هو تشابه مقصود". لقد وضعت الكاتبة في حسبانها منذ البداية، أن "مشروع الصورة" الذي أقدمت عليه، حقل مليء بالألغام، لهذا سوف لن تنفع معه الأساليب التقليدية في الكتابة أو طرائق المراوغة والمهادنة في التفاعل مع المرويّ لهم.

ما دامت "سيرة وانفضحت" العنوان الآخر للرواية، فلا بد من الاستعداد لها باحتفالية سردية خاصة توفيها حقها من الكشف والتعرية. وقد اتخذت للغرض، شخصية راوية/كاتبة تراوغ في التعريف بهويتها، فهي طورا "لميس" إحدى شخصيات الرواية، وأطوارا أخرى، خلاصة بقية الشخصيات الأخرى: "قمرة" و"سديم" و"ميشال" أو (مشاعل). فهي الناطق المفوض بلسانهن وقصتها هي "قصتهن"، على حدّ تعبيرها.

تسرد الرواية هذه القصص في هيئة رسائل إلكترونية ترسلها إلى مستخدمي الأنترنيت في السعودية، وذلك في كل يوم جمعة(فسحة العطلة الأسبوعية) وتصف للمرسل لهم هيأتها وهي أمام الحاسوب وقد نكشت شعرها ووضعت أحمر شفاه صارخ وأخذت عدتها لتفضح وتعرّي وتكشف ما يحصل داخل بعض الأوساط الاجتماعية من قصص وحكايات ، تزيح النقاب عن الوجه الآخر للمرأة السعودية

عولت الراوية على خطاب التفاعلية الذاتية. وفي مستهل كل فصل/رسالة إلكترونية، تقيم حوارا مع المروي لهم وتتخذ ممّا يردها من رسائل إلكترونية، وسيلة لتفعيل قنوات التواصل والحوار، ومن ثمة تجد لها حافزا على دفع الرواية التي هي قيد الإنجاز. عن طريق تشريك المروي لهم ودعوتهم للكتابة، مهما كانت ردود فعلهم تجاه خطاباتها.

" إلى أي حدّ أزعجوني بأني لا أمثل فتيات السعودية ليتفضلوا هم بالكتابة عن البنات من زاوية أخرى غير التي أراهن منها" (بنات الرياض، ص 207).

تكشف لنا سطحية الراوية عن صورة امرأة قادرة على تصريف اقتصاد الكلام وإدارة منتديات الحوار، في فضاء الرواية ومهما تباعدت وتيرة الانتقادات والتهجمات اللاذعة التي تستهدفها، فهي لا تلقي بسلاحها، بل تعمد لتطويع أساليب الحجاج والجدل، وصولا إلى الاستفزاز والتهكم لتحريك السواكن، دون أن تخونها القدرة على المجاملة والاستلطاف، من خلال تلك الدعوة المتصلة للمروي لهم للاستمرار في الحوار وتبادل وجهات النظر. فهي تراهن على تمتين الصلة بهم لأنهم قبل كل شيء، شركاؤها في كتابة الرواية. وذلك من منطلق خياراتها الجمالية في الكتابة ورغبتها العارمة في الانخراط في السجال الحداثي، عبر ذلك التبادل بين عالمين : عالم "افتراضي" أو "استخيالي" أو"عالم ما فوق الواقع ، حيث تتواصل مع شركائها بوصفهم كائنات افتراضية، عن طريق البريد الإلكتروني وعالم المتخيل الروائي الذي تمثله هي وبطلاتها من البنات. هذا العالم الروائي لا يخفي صلته بالمرجع، أي الواقع المعيش في مطلع الألفية الثالثة في مدينة سعودية تسمى "الرياض"، ومن خلال ما تتلقاه الراوية من رسائل إلكترونية، تسبر الآراء وتقيس محرار التلقي للفصول/الرسائل الأفلكترونية التي أرسلتها لهم سابقا، ممّا يدفعها لمزيد الكشف عن الجوانب الأخرى المخفية "لصورة المرأة" هذا "المشروع المزعج" الذي لم يزدها المتهجمون إلا مزيدا من الإصرار على الاستمرار فيه. تقول الكاتبة فيذلك:"كتبوا لي قائلين لست مخولة للحديث بلسان فتيات نجد إنك مجرد حاقدة تحاول تشويه صورة المرأة في المجتمع السعودي، مازلنا في البداية يا أحباب..إذا بدأتهم الحرب عليّ من الإيمايل الخامس، فماذا ستقولون عنّي في الإيمايلات القادمة؟..جايلكم خير" (بنات الرياض، ص 36)

يكمن جوهر القضية في كون الراوية تجرأت على رسم صورة للمرأة السعوديةمخالفة للسائد ووفقا للمتغيرات الطارئة على واقعها. فقد غنمت الانفتاح التكنولوجي القمري رغم صرامة التقاليد. "بنات الرياض" هنّ بنات الأنترنيت والهاتف الجوال. تقول الإحصائيات أن أكثر من 60 في المائية من السعوديات يبحرن عبر الأنترنيت ويغنمن فسحة الفضاءات الافتراضية، بينما لا زالت التقاليد تصرّ على رسم فضاءات مغلقة خاصة بالمرأة تمنع الاختلاط بالجنس الآخر وتشرع لتفوق الرجل ، على خلفية خصوصية وضعية المرأة في السعودية.

إن النماذج التي وضعتها الراوية تحت المجهر، تؤكد أن المرأة السعودية ليست واحدة بل متعددة ولئن تشابهت في بعض ملامحها التي تكشف عن معاناة بنات في "مهب رياح الحداثة " تحاصرهن التقاليد.

وسنكتفي في حدود هذه المداخلة باستجلاء وجوه ثلاثة من "الصورة الناقصة":

- المرأة الضحية

- المرأة الباحثة عن الحرية

- المرأة صاحبة القضية.

· - المرأة الضحية

كانت شخصية "قمرة" أكثر الشخصيات قابلية لتمثيل صورة المرأة الضحية، فهي واحدة من أولئك البنات اللائي يتعجلن الزواج حتى "لا تموت الواحدة بحسرتها" (بنات الرياض، ص 22)، حسب عبارة الكاتبة, فقد تنازلت "قمرة" عن دراستها الجامعية لأن الرجل هو مستقبل المرأة، وسافرت معه إلى أمريكا حيث يزاول دراسته، وهناك اكتشفت أن الزواج لم يكن ذلك المتنفس الذي تبحث عنه. فقد لقيت الكثير من التجاهل واللامبالاة وسوء المعاملة والتعنت من طرف زوج قال لها صراحة أنه يفضل عليها امرأة يبانية، هو على علاقة معها. وعاشت "قمرة" تلك المواجهة المذلة مع المرأة الثانية التي لم تخف سخريتها منها لأنها لم تدرك ذلك المستوى من التحرر الذي حققته هي. وتضطر "قمرة" للعودة إلى أرض الوطن وهي حامل، وهناك تسقط عليها ورقة الطلاق...فتفرض عليها التقاليد قيودا أخرى بحكم منزلتها كامرأة مطلقة.. ومع ذلك "يظل حلمها الوحيد الزواج ثانية، ولأنها في حاجة إلى رجل ينتشلها من وحدتها... وفي الأثناء يصبح لجهاز الكمبيوتر موقع أساسي في غرفتها، بعد أن كان ينتقل من غرفة إلى أخرى".(بنات الرياض، ص 200). وتبارك أم "قمرة" هذا الأمر لأن عالم "التشات" أهون من الدوران في الشوارع.

لكن هذا الهروب إلى الفضاءات الافتراضية لم يجد "قمرة" في الخروج من منزلة الضحية ، فظلت تجترّ مأساتها على خلاف "سديم" التي مثلت هي الأخرى صورة المرأة الضحية، ضحية الرجل وضحية التقاليد، ولكنها صارعت لتجاوز منزلة العجز والحسرة.

بعد الخطبة التقليدية، وخلال حفل القران، اكتشفت "سديم" أنه ليس من حقها أن توقع العقد لأن الرجال وحدهم يوقعون، أما هي فتبصم فقط (بنات الرياض، ص 39)، وأقنعها خطيبها "وليد" أنه لا ضير في أن تنسجم معه في علاقة حميمة ما دامت زوجته، على سنة الله ورسوله، فصدقت ذلك. فكان أن تجاهلها وتخلى عنها ، ثم أرسل لها ورقة الطلاق.. هذه الخيبة لم تدفعها للاستسلام، بل بحثت لها عن تجربة ثانية، وعندما أتيحت لها فرصة السفر إلى لندن، تعرفت على "فراس"، شاب مثقف، استحوذ على إعجابها، فعاشت معه قصة حبّ لذيذة، لكن "فراس" تخلى عنها أيضا، هو الآخر لأنه كان مضطرا للانصياع لمشيئة أسرته والزواج بمن اختاروها له".. ويتمّ الانفصال، لكن "فراسا" يعاود الاتصال بها ويقترح عليها استمرار العلاقة بينهما، فتستسلم له وتقبل بمنزلة المرأة الثانية، رغم أنها تدرك حسب قولها "أن قبولها إياه حبيبا، من جديد، يعدّ تنازلا عن شطر كبير من كرامتها واحترامها لنفسها" (بنات الرياض، ص 281).

لقد مثلت كل من "قمرة" و"سديم" صورة امرأة لا كرامة لها، مقارنة بالرجل، زوجا كان أو خطيبا أو حبيبا، لأنها تتقبل التسلط والمعاملة الدونية، ويذهب في اعتقادها أن وضعها يفرض عليها أن تتحمل ذلك، لكن "سديما" كانت أقدر على تحليل منزلتها، وتحديد الأسباب التي جعلتها هي وصديقاتها، تصب كل طاقاتها في الحب إلى حدّ الاستنزاف، فالفراغ الفكري جعلها تحمل وزرا ثقيلا على كاهلها. تقول في ذلك:"لو كانت تفهم في السياسة، لو أنها تدافع عن قضية معينة أو تعارض قضية ما، لكانت وجدت ما يشغلها عن التفكير بوليد...(أو فراس)(بنات الرياض، ص 78).

تبدو شخصية "سديم" ذات قابلية للتطور والنموّ لأنها ستقدم في نهاية المطاف على الحدّ من اندفاعها العاطفي والثأر لكرامتها عندما ترفض اقتراح "فراس" الزواج منه، بعد أن طلق زوجته.

· صورة المرأة الباحثة عن الحرية

لا شك في أن شخصية "ميشال" وهي في الأصل (مشاعل)، خير ممثل لصورة المرأة الباحثة عن الحرية، فهي كما تصفها الرواية، تحمل في داخلها صراعا حضاريا. واسم "ميشال" خير دليل على ذلك. هي من أم أمريكية وأب سعودي، عادت من أمريكا مع واليها والتحقت بمدرسة تعتمد اللغة الأنقليزية كلغة أساسية لأنها لا تتقن العربية، "كانت تندب حظها الذي أجبرها على دخول الجامعة السعودية بدلا من أمريكا" (بنات الرياض، ص 56).

"ميشال لا ترغب في تقديم تنازلات على حساب ذاتها، لذلك فهي ترفض التقاليد وتهزأ بها ، كما لا ترغب في التنازل عن حقها في الحرية، وإن كانت مضطرة للمغامرة في سياقة السيارة متنكرة في زيّ رجل فتصحب صديقاتها معها لاكتشاف لذة الفضاءات المحرمة على صعيد التعبير عن الذات، تحبذ اللغة الأنقليزية التي تمنحها حرية أكبر في البوح والانطلاق"(بنات الرياض، ص 105).

"ميشال" صورة مزعجة للمرأة الجريئة المتحررة "تنظر للرجال ولا تعبأ بهمهمات النساء الذكوريات وانتقاداتهن لسلوكها" تتعرف على "فيصل" في أحد المراكز التجارية ويتحول الإعجاب إلى حب" متبادل، وسرعان ما يخيب أملها في "فيصل" الذي اعترف لها بعدم قدرته على الدفاع عن حبه لها أمام اعتراض أسرته التي لا ترى في "ميشال" صورة الزوجة المناسبة لابنها. أقر لها "فيصل" بتفوقها عليه قائلا:"أنت محظوظة لأن قرارك بيدك وليس بيد القبيلة" (بنات الرياض، ص 129).

هذا الدرس/الرجة وضع "ميشال" أمام مفترق طرق: إما أن تتنازل عمّا تعتبره حقها في الحرية وتنسجم مع صورة المرأة المرغوبة في عرف التقاليد، أو أن تغادر، لكنها اختارت "مشروع ذاتها"، فهي كما تقول:"لن تسمح لنفسها بأن تكون سجينة التقاليد مثل "قمرة" أو سجينة الطب مثل "لميس" أو سجينة الرجل مثل "سديم". تحمل "ميشال" إصرارا واضحا على خيار الحرية والمساواة بين الجنسين، وتحلم بغير الرجل إن اضطرت للخيار ، فهي تفضل حلمها الذاتي، لذلك اختارت السفر إلى أمريكا لإنهاء دراستها الجامعية في علم الحاسوب. صورة "ميشال" المرأة المتحررة، هي صورة مرعبة في عيون "قمرة"، فتقول أنها "صارت ترعبها بحديثها عن الحرية وخصوصا عن المرأة وقيود الدين والأوضاع الاجتماعية" (بنات الرياض، ص 198=

في أمريكا "بلاد الحرية" كما تقول "ميشال"، اعتقدت أنها وجدت المجال لبناء علاقة جديدة مع الرجال، تكون فيها في مقام الشريك، فابن خالتها "ماتيو" الأمريكي، يؤمن بمفاهيم المساواة والشراكة بين الجنسين، لكن علاقة الصداقة الاستلطاف مع ّماتيو" لم تتطور لأن هذا الأخير لم يفاتحها في موضوع الحب، رغم أنها كانت مستعدة للزواج به مدنيا في أمريكا، فهي تدرك معارضة والدها لهذا الزواج لأن "ماتيو" مسيحي وستخوض "ميشال" تجربة جديدة في "دبـي" "بلاد الحرية في الخليج"، كما تقول، ستتسع دائرة علاقاتها وتعمل في مجال الإعلام التلفزي، وهذا يعني أن السفر إلى خارج الوطن، يمثل فرصا سانحة للمرأة الباحثة عن الحرية لمزيد الانطلاق و"ترسيخ" الاعتقاد في ضرورة بناء مشروع الذات.

فعلى سبيل المثال، اكتشفت "سديم" تأثير مناخ الحرية على شخصيتها عندما سافرت بمفردها إلى لندن. وتجلى هذا التحول في أول فعل أقدمت عليه عندما "نزعت عباءتها في حمام الطائرة لتكشف عن جسد متناسق يلفه الجينز والتي شورت الضيقان" (بنات الرياض، ص 73).

في لندن تكتشف سديم" ذاتها ، فترتاد المكتبات والمتاحف والعروض الفنية والحفلات الخاصة وتشعر بحاجتها للثقافة، مثلما تشعر بحاجتها إلى التعرف على الجنس الآخر، حيث أتيحت لها فرصة العمل في أحد البنوك. تقول في ذلك:"الفتاة السعودية ترتاح أكثر للاختلاط بالرجال غير السعوديين"(بنات الرياض، ص 122).

في أوروبا تدرك "سديم" سلبية وضعها كامرأة مهمشة في بلدها. تقول:"هي وزميلاتها مهمشات في الحياة السياسية ولا دور لهن ولا أهمية" (بنات الرياض، ص 78).

كانت "سديم" و"ميشال" و"لميس" و"قمرة" يغنمن بعض فضاءات الحرية المغلقة في وطنهن، من خلال بعض الحفلات الخاصة التي يقمنها في بيوتهن، حيث يرقصن ويغنين ويدخّن ويتناولن الشمبانيا. "فميشال" مثلا "تعرف أنواعا مختلفة من المشروبات الكحولية" (بنات الرياض، ص 26).

من فضاءات الحرية هذه، بين "أم نوير" وهي امرأة كويتية مطلقة كانت متزوجة من سعودي، لكنها خيرت البقاء بالسعودية وكانت على صداقة وتعاطف مع البنات وهيأت بيتها لاستقبال المحبين ، تقدم لهم المساعدة في ترتيب اللقاءات ، لأنها تؤمن بحقهن في الحبّ و"تخاف عليهن في نفس الوقت" (بنات الرياض، ص 106).

لبيت "أم نوير" دلالاته ، فهو بمثابة المتنفس ، فكأنما التقاليد الاجتماعية الصارمة المكبلة للمرأة، قد تعمدت التغاضي أو التسامح مع "بناتها الضالات" عن طريق تلك المنافذ. فهؤلاء البنات هن بمثابة "القنابل الموقوتة" لولا تلك المتنفسات المتاحة في الداخل على غرار فسحات التجوال في المراكز التجارية، حيث يتم التعارف بين الجنسين خلسة عن طريق تبادل أرقام الهاتف الجوال أو في المطاعم والمقاهي النائية، فضلا عن فضاءات الأنترنيت.

من المؤكد أن الفضاءات المتاحة خارج الوطن وتحديدا في أوروبا، كانت مهيأة أكثر من غيرها لبلورة شخصية امرأة أكثر وعيا بحقها في الحرية والمواطنة، مما جعلها تدرك أن واقع الطفرة في بلدها لم يعول عليها كشريك في تنمية المجتمع. كما أن الرؤية السلفية للواقع قد اعتبرت كل ما يشمل تحرير المرأة خطة خارجية مشبوهة ترمي لاستهداف الشخصية العربية الإسلامية من خلال المرأة.

فضلا على أن الانغماس في الاستهلاك لم يشجع المرأة على التفكير في طرح قضيتها أو التجند للدفاع عنها. لقد أدركت رجاء الصانع هذا الفراغ، ولم تقف عند استجداء "تاج الضحية". في هذا السياق، تقول "لميس" وهي الناطقة المفوضة باسمها في الرواية:" تسلط الرجل لا يأتي من فراغ، ولكن بعد عثوره على امرأة تحب هذا التسلط وتساعده على الاستمرار فيه" (بنات الرياض، ص 204).

كل ما اضطلعت به الكاتبة/الراوية من وظائف ذات خلفية عقائدية، في فضاء الرواية، يدعو إلى أنه قد آن الأوان للوعي بخطورة قضية المرأة العربية في السعودية، فهي طرف مباشر في العمل على مشروع التغيير، هذه المسؤولية تجسمت في صورة المرأة صاحبة القضية.

· المرأة صاحبة القضية

تطالعنا هذه الصورة في كل فصول الرواية ممثلة في شخصية "لميس" التي أدركت ، رغم حداثة سنها (العقد الثاني من عمرها)، أن لا بد لها من امتلاك سلطة تخول لها موقعا لطرح قضيتها، فاختارت سلطة الكتابة، كتابة قصص صديقاتها كما تقول. فهن جميعا خلاصة شخصيات نسائية سلطت عليهن – جاءت متفاوتة – ضغوط التقاليد الصارمة وخضن مغامرات عاطفية وتعلمن من اندفاعهن وأخطائهن، فاختارت الراوية أن تضع سلبيات تجاربهن تحت المجهر باعتبارها محرضا لتغيير منزلة المرأة، وذلك قصد طرح عقد اجتماعي جديد ينصف المرأة ويعترف بإنسانيتها وحقها في الحب والحرية وبناء الذات.

هذه القيم المنشودة، لم تستوردها الراوية، بل هي نتاج تربية وثقافة تلقتها من والدين مثقفين، فكل من الأب والأم قد شغل خطة عميد جامعة، وهذا يعني أنه ثمة رموز لجيل سابق هيأ لإمكانية التغيير. إذا ثمة ظروف موضوعية مهدت للراوية لتضطلع بدورها القيادي، بعد أن تسلحت بالقدرة على الكتابة. تقول في ذلك:" يستهجن الجميع جرأتي في الكتابة وإثارة مواضيع "التابو". قد أجد قليلا من المؤمنين بقضيتي الآن وقد لا أجد، ولكني أشك في أن أجد كثيرا من المعارضين بعد نصف قرن من الآن" (بنات الرياض، ص 114).

إذا بما أن تغيير منزلة المرأة آت بلا ريب، فلن تتردد الراوية في دفع هذا المشروع الذي لا يمكن أن يتم إلا بمبادرة المرأة وإيمانها بضرورة الانخراط فيه، وذلك بتوعية بنات جنسها كأن "تتعرف على أقل الفتيات حظا وتبدأ معها رحلة التثقيف والتطوير" (بنات الرياض، ص 55).. وهي تدرك أن طريق النضال طويلة ومحفوفة بالصعوبات ، ولكنها لا تفكر في التخلي عن التزاماتها رغم هذه الجملة المحبطة التي تتردد على مسامعها:"أنت لن تصلحي العالم ولن تغيري الناس"، فترد على ذلك:"معهم حق، ولكني لن أتخاذل عن المحاولة" (بنات الرياض، ص 68).

من الواضح أن "لميس" صاحبة إستراتيجية في التغيير، تعول على الانطلاق من أسفل الهرم لأنها تدرك ضرورة بث التوعية والتثقيف في أوساط البنات، إلى جانب الكشف عما ينوء به الواقع من تناقضات ومفارقات تحتاج إلى التنديد بكل الوسائل، قصد إحداث الرجة المطلوبة من أجل التغيير . من ذلك، هذا الخطاب الساخر:"جاءني اقتراح من أحد المخرجين السعوديين بتحويل إيميلاتي إلى مسلسل رمضاني.. لما لا؟ إن كنا سنطبعها كرواية، فلما لا نصورها تلفزيونيا؟ أنا أفضل المسلسل على الرواية لأني أريد أن تصل قصص صديقاتي إلى الجميع... وهكذا تكون البداية. هنا يأتي السؤال المهم: من ستقبل التمثيل في مسلسلاتي؟ هل سنستعين بممثلات من الدول الخليجية المجاورة أم سنجعل شبانا سعوديين يتنكرون للقيام بأدوار الفتيات فنضحي بالمشاهدين؟" (بنات الرياض، ص 218-219).

هل عبرة الخطاب أن "وضع المرأة " في السعودية لا تتحمله لا الصورة الروائية ولا الصورة التلفزيونية كما يمكن أن تنتجها امرأة؟

زهرة الجلاصـي



([1] ) هذا الموقع هو:"www.rajaa.net"

([2] ) هذا الموقع هو :"http://alsager.ws/banat- al Ryadh-c-p.pdf."

1 commentaire:

  1. Online Casino - Karangpintar.com
    Online Casino. Karangpintar is a reputable and licensed online 메리트카지노 casino with more than 2500 slot games. We offer the best gaming kadangpintar experience. choegocasino

    RépondreSupprimer