قراءة في المجموعة القصصية "عطر الليل الباقي" للقاصة ليلى محمد صـالح منطقة التلاقـي بين الذوات

تضم المجموعة القصصية "عطر الليل الباقي" للقاصة الكويتية ليلى محمد صالح ([1]) ثماني قصص قصيرة تشترك في تمثيل مشاهد من عالم مصغر لا يثبت على حال. فقد اختارت الكاتبة أن تراوح بين إقامة علاقة مشاكلة مع الواقع والإنحراف المقصود عنه، استجابة لخيارات جمالية ومواقف إيديولوجية، قد تلتقي وتتقاطع ، خاصة عندما تغنم الراوية مقامات وجهات النظر لتبرر جنوحها للخيال الحالم والفنطازيا والهروب من الواقع وترجيح المنحى الرومانسي على الواقعية، طلبا للسلوى والنسيان والتخفف من وطأة حصار الواقع:"لماذا كل من يحيط بنا يعيب علينا كثرة النسيان وأننا لا نفتح عيوننا لنرى ازدحام الشوارع.. هل لأن الرومانسية في عصر الحرب والقلق والإرهاب قد نسيها البعض رغم عذوبتها وعذابها؟... هل لأنها سرحان ودوخة وازدراء للواقع والواقعية؟"(عطر الليل الباقي، ص 14).

تعيش جل شخصيات القصص حالات من المد والجزر بين "مرتفعات الأحلام ومنخفضات الواق" - حسب عبارة الكاتبة – وليس من قبيل الصدفة أن يكون للشخصيات النسائية حضور طاغ مقارنة بالشخصيات الرجالية. ويبدو أن الكاتبة لم تنس أنّها امرأة، لذلك غالبا ما نلاحظ ذلك التماهي بين الشخصية الراويـ(ة) والبطلة، على الأخص من خلال مقامات السرد الذاتي بما هي إحالة على ذات امرأة مستغرقة في تأملاتها وذكرياتها وأحلامها وتفاصيل عالمها الحميمي.

وقد أتت أساليب الخطاب مشبعة بشحنات من الانفعالات والأحاسيس المتدفقة. أما الضمائر السردية "أنا" و"هي" فلم تعد مجرد ضمائر نحوية محايدة أو مسوغات سردية موضوعية ، بل مقامات ذاتية تتخللها مسحة من الغنائية ، تتجلى في إيقاع الجمل والكلمات المفعمة بالشجن، تلوذ الذات المتلفظة بالفضاءات المغلقة، وتكون للغرفة مكانتها الأثيرة باعتبارها أهم ملجإ أو ملاذ تحتمي به البطلة التي تنزع ، رغم عزلتها، لإقامة جسور تواصل حميمي مع القارئ وإرساء منطقة للتلاقي بين الذوات تمرر عبرها وجهات نظرها وتعبر عن رؤيتها للذات وللعالم انطلاقا من خصوصية منزلتها بوصفها امرأة تكابد إكراهات الواقع وإلزاماته. فقد شاء لها قدرها وشاءت لها الأعراف والتقاليد الاجتماعية أن تكون ذلك الكائن الضعيف المحكوم عليه بمكابدة صنوف المعاناة ، لذلك غالبا ما يفضي خطاب البطلة إلى الشكوى من تسلط الواقع والتنديد به. نحن إزاء شخصيات نسائية مثقلة بهمومها وأحزانها، تفضي لنا بتجارب إخفاقها في مواجهة واقعها مما يبرر هروبها إلى عالمها الذاتي الذي ينتشر في مساحة غرفة فردية مغلقة، لذلك تتقلص حكاية الأفعال وتغيب الحدثيّة مقابل حكاية الأقوال وانتشار تيار الوعي الذاتي والخطاب الباطني المسرود. وإمعانا في الاحتفال بعالمها البديل، تسعى الراوية البطلة للإحاطة بتفاصيله، فتنشط ملكة الوصف لديها ويعلق السرد لتستأثر الغرفة ومناخاتها ببؤرة الوصف وتستنفر كل الحواس بدءا من حاسة النظر إلى حواس السمع والشم واللّمس، لتشكل خطابا وصفيا يعرض على خيال القارئ، مكونات فضاء شاعري:"غرفة وارفة البياض وموسيقى "لشوبان" وستارة مسدلة على دانتال يتمايل على إيقاع الهواء المضغوط فبدا أمامي وكأنه راقصات باليه في حفل.. من نافذتي، يدخل القمر البهي كومضة البرق مقتحما باب الليل . يتمدد مرهقا على سريري المرشوش بماء الورد..." (عطر الليل الباقي، ص 11).

وتتمادى الراوية في توظيب خطاب وصفي يحول الغرفة بأشيائها وألوانها إلى لوحة فنية وتتحول الواصفة بدورها إلى فنانة تشكيلية ترسم بالخطوط والألوان غرفة محملة بأشيائها وألوانها التي تبعث على الدهشة. تستغرق الراوية في لعبة وصف أشياء لا تمتلك جدوى محددة في نطاق المنظور السردي، لكنها تتيح للذات الواصفة متعة الإسئثار بفضاء جميل لم تدنسه ضحالة الواقع.

وفي مستوى الزمن ، ينسجم الزمن الذاتي ، زمن التداعيات والذكريات والأحلام مع الليل الذي يلقي بجلبابه على هذا الكون الحميمي ويحميه. فالبطلة امرأة وحيدة تعشق الليل ، إذ في مداه تتقلص مساحات الزمن الاجتماعي الذي عادة ما ينتشر خلال النهار، بكل ما يحمله من مواجهات وصراعات ، غالبا ما تخلق في نفس الراوية البطلة، الشعور بالضيم والقهر.

وفضلا عن احتفال الراوية بأشياء الغرفة، فقد تعمد إلى استحضار شخصيات أثيرة إلى نفسها كأن تخيل "القمر" أو كأن تبعث الحياة في صورة "الأم" المعلقة في إطارها. وعادة ما تفضي عملية إقحام الشخصيات الغائبة في الحاضر إلى تحريف مسار القصة فتشتبه بالحكاية الغرائبية ويتحول "القمر" إلى "فارس " أعزل إلا من ابتسامة مضيئة"(عطر الليل الباقي، ص 12). وتحتفي الراوية بهذا القمر الذي تحول إلى إنسان . وقد أتاح لها المتخيل مجال الإنعتاق من أسر الواقع بتقاليده وأعرافه وبرتوكولاته لتتوجه نحو ذلك الوافد الغريب من خلال هذا الملفوظ:"لو كانت الواقعية نهجي لما استقبلتك في غرفتي الضيقة.. لو لم أكن رومانسية مثلك أيها النقي المرسوم في عمق المدى، لما انعكست مرآة روحي في مراياك الملونة ولما احتميت بك كحمامة مستسلمة" (عطر الليل الباقي، ص 13).

في فسحة المتخيل تسقط الراوية تطلعاتها الذاتية على "القمر" ليتخذ صورة الرجل المرغوب ، شريكا منسجما مع المثال المرسوم في أحلامها، لكنه مفقود في واقعها المعيش/ إذ نستشف في جل قصص المجموعة صورة سلبية لرجل أفسده الواقع مانحا إياه امتيازات التفوق على المرأة ، مما آل إلى تضخم عقدة الأنانية وحب التملك فيه .

في قصة "الصورة المعلقة"، تمارس الراوية/البطلة رياضة التّخاطر أو استدعاء أرواح الموتى. ترابط عند منطقة الجذب تجاه صورة الأم المعلقة في إطارها، تركز بصرها عليها وتطلق العنان لذكرياتها وتأملاتها، و"فجأة تغادر الصورة الإطار الفضي المعلقة به.. تمشي في ضوء غرفتي الخافت ، تندس تحت اللحاف قربي..." (عطر الليل الباقي، ص39). وتتكفل فنيات الاسترجاع والاستبطان والتداعيات ببعث شخصية الأم فتملأ الغرفة بحضورها لتستأثر العلاقة أم/بنت ببؤرة السرد والوصف وتتظافر حواس النظر والنطق والشم واللّمس لرصد حميمية التواصل بين الشخصيتين وتهيئة فرصة سانحة لاستعادة قيم مفقودة منشودة: قيم الحبّ والعطاء والإخلاص والأثرة. تمثّل شخصية الأمّ كائنا استثنائيا يدفع البطلة لإثارة أسئلة الكينونة والوجود :"يا من علّمتني من أكون وكيف أكون"(عطر الليل الباقي، ص47).

وتلتقي الأسئلة الوجودية وتتقاطع لتكشف عن تجليات ذات أنهكتها معاناة الحزن والفقد. تتواتر في قصص المجموعة مشاهد تختزل تجارب إنسانية أو لحظات مكثفة من معيش شخصيّات مثخنة بجراحها تجلّلها مسحة حزن بسبب فقد الزوج أو القريب أو الوطن. في قصة "الليل الباقي" تخرج البطلة من عزلتها لتؤدّي واجب العزاء لأهل طليقها، وقد سبق أن فقدته زوجا بالطّلاق الذي رتّبه أهله لإبعاده عنها وتزويجه بأخرى، وهاهي تفقده بالموت، تسارع نحو بيت الفقيد لتقدّم العزاء رغم أنّها لم تتلقّ عزاء من أحد عندما فقدته بالطّلاق. هكذا تعيش إجلالا للذكرى موقفا صعبا، موقف التنازل عن كرامتها وكبريائها، ولعلّ هذا تقودنا لتحديد المشترك بين بطلات قصص ليلى محمد صالح: إنهنّ يتميّزن بقدرتهنّ على حمل أوزار الهموم والمعاناة بجلد ومصابرة، فالمرأة ليست قويّة وقد يحوّلها إخلاصها للقيم الإنسانية والأسرية إلى كائن بلا كبرياء لأنها منذورة لتقديم التنازلات على حساب ذاتها وكرامتها، في قصة "الزواج ولكن" تحمل البطلة موقفا ضدّ مؤسسة الزواج لأنّها ترى فيها واجهة اجتماعية تحدّ من حريّة المرأة وانطلاقها، لكن سرعان ما تتخلّى عن موقفها المناهض للزواج لتقدم على التجربة وقد اعتقدت "أنها وجدت رجلا مختلفا يدعوها إلى أن تخوض معه تجربة شرف الاستكشاف" (عطر الليل الباقي، ص80). وتطول القصّة على نحو لا يمكن أن تتحمّله قصّة قصيرة وتروي لنا البطلة من خلال مقام السّرد الذاتي قصّة زواجها الذّي بدأ سعيدا ليتدرّج نحو التأزّم وبعد سنوات ثلاث تنكّر لها الزّوج واستبدل الوفاء بالخيانة، وانخرطت الراوية في طرادة مطوّلة عن كرامة المرأة وحرّيتها وعن تهوّر الزّوج الذي غنم لحظة غيابها ليقترف فعل الخيانة مع عشيقته في بيت الزوجية وإثر الطّلاق تعيش البطلة معاناة أخرى، معاناة المرأة المطلّقة ونظرة المجتمع التي لا ترى فيها سوى صورة امرأة لم تعرف كيف تحافظ على بيتها. ولصرف الآخرين عن الاهتمام بوضعها تقدم على الزواج ثانية، وأمام غيرة الزوج الثاني من ابنتها وماضيها، تجد نفسها مرغمة على المصابرة وخوض تجربة ترويض زوج غيور.

من المآخذ التي تواجه الكاتبة تعديد المشاهد وتمطيطها ولعلّها أقدمت على ذلك من موقع حرصها على أن تقول كلّ شيء، ممّا حوّل القصة إلى قصّة طويلة فضلا عن التراجع الملحوظ في الاهتمام بالفنّيات وأساليب القصّ، ثمّة انزلاق نحو المباشراتية لأنّ الكاتبة اختارت عن قصد أن تندّد ببعض المظاهر والسلوكات الاجتماعية. ولئن أعلنت الكاتبة إعراضها عن الواقع والواقعية إلاّ أنّ الواقع فرض قانونه عليها. قد تظفر بفسحة خلاص أو مساحة هروب مؤقت لتجد نفسها من جديد متورطة في واقعها، إذ قد تلاحقها فواجعه ومآسيه، تخترق ملاذها الرومانسي وتعكّر عليها لحظات صفوها المسروقة في غفلة من الواقع، لذلك يبقى الفرح مشروعا مؤجّلا. في قصة "شموخ قمر العارضيّة"، تدرك قسوة الواقع أوجها عندما تتحوّل حفلة عرس إلى حفلة حزن إذ يتزامن آخر الحفل مع حدث غزو الكويت في الواحد من أغسطس من سنة 1990. تعرض علينا الرّاوية مشهد شخصيّات جماعية تسير بأكمل أبهى زينتها نحو الفرح، لكنّ هول الغزو المباغت يدفعها نحو المأتم. هذه المفارقة بين الفرح والفقد - وهنا فقد الوطن تحديدا – كانت حاضرة في قصص مجموعة سابقة ليلى محمد صالح تحمل عنوان "ورود وبنادق"، حيث تطرح بإلحاح سؤالا محيّرا: لماذا تتسلّط منغّصات الواقع على النّاس الأبرياء فتسلبهم أجمل أوقات سعادتهم؟

وإذا ما انشغلت الكاتبة بهموم الواقع فقد تعبر إلى منطقة ما وراء الواقع ليختزل الموقف القصصي أسئلة ميتافيزيقية يثيرها المجهول وهو ما تعيشه بطلة قصة "للسفر لون آخر" عندما تتدخّل القوى الغيبيّة لتكشف لها عن ذلك الخيط الرفيع الفاصل بين سفر وسفر، سفر الاستكشاف والانتقال من مكان إلى آخر، وهو ما كانت تستعدّ له البطلة، وسفر نحو المجهول أو تحديدا نحو العالم الآخر حيث لا يتاح للمسافر أن يأخذ أهبة أو أن يعدّ حقائبه، وذلك على خلاف السفر الأوّل. فقد أشرفت الرّاوية على سفر الموت في مساحة غفوة أو غيبوبة قصيرة بسبب حادث مرور تعرّضت له وكتبت لها النّجاة بأعجوبة، لذلك ظلّ "اللون الآخر" ماثلا بين عينيها: " عند الخطر تتألق الأرواح وتصبح أكثر شفافية تريد الطّيران .. تغمض عينيها فيتراءى لها بعض الّذين ماتوا بحادث سيّارة.. صفر..أحمد..ماجد..خالد..ناصر..و..و.." (عطر الليل الباقي، ص100).تلك العودة من "سفر الموت" تذكي الحسّ الوجودي لدى البطلة وتدفعها للاستغراق في تجربة التأمّل الذّاتي " فأجمل الأسفار السّفر إلى الدّاخل"(عطر الليل الباقي، ص102).

إنّ عالم الذّات هو "عالم الطمأنينة والأمان والسكينة ، فكأنّما قصص مجموعة "عطر الليل الباقي" تغري القارئ بأن يستكشف مكامن الجمال والفرح في مناطق الذّات تحديدا. وعلى الرّغم ما لعالم الذّات من مزايا إلاّ أنّه زاد الشخصيات القصصية هشاشة وأفقدها القدرة على مواجهة عالم الآخرين. لهذا تتحالف ضدّها قوانين الواقع والقوى الغيبيّة ، فتطالعنا في قصص ليلى محمد صالح، صورة ذات منذورة للمأساة، وبما أنّ قانون الطبيعة يقوم على مبدإ البقاء للأقوى، فقد تضاءلت حظوظ تلك الذّات في القدرة على البقاء لأنّها استساغت على نحو ما منزلة الكائن الضعيف الّذي تقصم ظهره أحمال الواقع ونوائب الزمن .

هذه الشخصيات لا تعادي واقعها في المطلق وهي أيضا لا تكره الحياة بل تبذل ما في وسعها على فعل الدّربة على الحياة العامة، حتّى وإن ظلّت محاولتها تلك محدودة ومحتشمة، إن شرفها يكمن في تكرار المحاولة كما هو الشأن في قصّة "للوظيفة أبواب" حيث تضع الرّاوية تحت المجهر شخصيّة نموذجا ممثّلة في شابّ تخرّج حديثا، يطرق أبواب الوظيفة العمومية فيواجه عسف البيروقراطية وإجراءاتها الطويلة والعقيمة وافتقارها للحسّ الحضاري في معاملة طلاّب الشغل، من ذلك يصطدم الشّاب بما يبديه وكيل الوزارة من احتقار للنّاس البسطاء ومن استغراق في مكالماته الهاتفيّة الشخصيّة، وبعد طول انتظار ينتبه إليه ليقول له بكلّ برود إنّ الوزارة طلبت منه الحضور لتقول له:"تخصّصك إدارة أعمال لا يناسبنا، قدّم طلبك لوزارة أخرى" (عطر الليل الباقي، ص72). وبعد رحلة معاناة أمام الأبواب، يصل الردّ من القطاع الخاصّ في شكل رسالة مهذّبة :"شركة الاستشمارات الوطنيّة ترحّب به، تفضّل تسلّم الوظيفة". في هذه القصّة يتجلّى انحياز الكاتبة لتيّار الواقعية النقديّة فتكشف لنا عن وضعيّات تعيشها شخصيّات مأزومة لكن دون أن تحكم عليها بالهزيمة إذ هنالك بارقة أمل تلوح في الأفق لتضيء مسار هذه الشخصيّات الجادّة في الظّفر بمكانها تحت الشمس، لكن مرّة أخرى، ينزلق الخطاب القصصي نحو المباشراتيّة ويقترب أسلوب تناول القضايا من أسلوب التحقيق الصحفي، فيخفت هاجس اهتمام الكاتبة بالمكوّنات الجمالية وذلك بحكم حرصها على تمرير خطاب إيديولوجي ينتقد الممارسات السلبيّة السائدة في الواقع الاجتماعي، على غرار الواسطة والمحسوبية وعقدة الكرسيّ وتهميش شرائح اجتماعية ممثّلة على الخصوص في الطّاقات الشبابية والنساء. بقي سؤال جوهري قد يخامر القارئ: ما هي أبرز سمات التجربة القصصية لدى ليلى محمد صالح من خلال مجموعة "عطر الليل الباقي"؟ يمكن أن نشير في هذا الصدد إلى أنّ تجربة القاصّة في هذه المجموعة تشي بملمحين بارزين على الأقلّ:

- أولهما ذلك الوعي الحادّ بكمّ من القضايا الذّاتية والوجودية والاجتماعية، وهي خلاصة تجارب منها ما يمتّ بصلة حميمة بمعيش الكاتبة، ومنها ما هو نتاج رصد دقيق لما يجري في واقعها الاجتماعي من تحوّلات أفرزت قضايا بارزة وأخرى كامنة تتراءى من وجهة نظر بطلة أو راوية تبدو شديدة الحرص على تبليغ رؤيتها الخصوصية لواقعها من موقعها كامرأة لا تتميّز فحسب برهافة أحاسيسها وصدقها وتلقائيتها، بل بقدرتها أيضا على انتقاء عيّنات مخصوصة من ذلك الواقع لوضعها تحت المجهر

- أمّا ثاني الملمحين فيتمثّل فيما تبذله الكاتبة من جهد لتخطّي طور السذاجة الفنيّة في الأساليب التعبيريّة لأنّها تدرك جيّدا أهميّة الاشتغال على ذلك الخيط الفاصل بين الواقع بواقائعه وشخوصه وقضاياه- بوصفه مادة خاما – والواقعية بما هي فنّ رؤية الواقع. وتدرك من ناحية أخرى أهميّة الاشتغال على الحميمي تلك التيمة الكونيّة التي تتفاوت قدرة الكتّاب على تحويلها وتشذيبها وفق قواعد الفنّ إذ لا تخفى أهميّة الانفعالات والتفاصيل الذاتيّة في إثراء القصّة القصيرة شريطة أن تتوفّر على المعنى المطلوب الذي ينبني عليه كون القصّة القصيرة حتّى لا تختزل في مجرّد خواطر ولوحات عابرة

زهرة الجـلاصـي



([1] ) ليلى محمد صالح : عطر الليل الباقي (مجموعة قصصية)، دار المدى ، سوريا – دمشق، طبعة 1، سنة 2000.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire